فصل: الاستعانة بالكفار في غير مباشرة القتال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار (نسخة منقحة)



.الاستعانة بالكفار في غير مباشرة القتال:

هذا النوع من الاستعانة بالكفار له حالات:

.الحالة الأولى: الاستعانة بهم في الأعمال الكتابية والحسابية والإدارة:

الاستعانة بهم في الأعمال الكتابية والحسابية والإدارة ونحو ذلك، وهذا تقدم الكلام فيه وذكرنا موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من هذه المسألة وتشديده النكير على أبي موسى حين استكتب نصرانيًّا وتقدم أيضًا عنه أنه كتب لعماله في الآفاق: أما بعد فإنه من كان قبله كاتب من المشركين فلا يعاشره ولا يوادده ولا يجالسه ولا يعتضد برأيه فإن رسول الله لم يأمر باستعمالهم ولا خليفته من بعده وعندما كتب إليه معاوية يستشيره في الاستعانة بالكفار في الكتابة والحساب نهاه وقال: عافانا الله وإياك فإن النصراني قد مات والسلام.
وكذلك تقدم موقف الخليفة عمر بن عبد العزيز في هذا حيث كتب لعماله في الآفاق قائلًا: أما بعد فإن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم من كتاب الله {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}، فجعلهم نجسًا حزب الشيطان إلى قوله: فلا أعلم أن أحدًا من العمال أبقى في عمله رجلًا متصرفًا على غير دين الإسلام إلا نكّلت به فإن محوا عمالكم كمحو دينهم وأنزلوهم منزلتهم التي خصهم الله بها من الذل والصغار اهـ.
ثم إن الاستعانة بالكفار في هذا المجال يتيح لهم الفرصة في إيقاع الضرر بالمسلمين وخيانتهم والاطلاع على أسرارهم وإبلاغها لقومهم أعداء الإسلام والمسلمين ويمكنهم من معرفة مكامن القوة والضعف والاطلاع على طرق المسلمين ومسالكهم فيبلغون قومهم بذلك وهذا فيه أكبر الضرر على المسلمين.
ولهذا فإن مذهب جمهور علماء الأمة وفقهائها أعني عدم جواز الاستعانة بالكفار ذميين كانوا أم غيرهم في الوظائف الهامة كالكتابة والإدارة والحساب والوزارة التنفيذية وغير ذلك هو الراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة للأمور التالية:
1- لوجود الأدلة الكثيرة وهي ظاهرة الدلالة.
2- ولأنه لم يعهد أن أحدًا من ولاة المسلمين في صدر الإسلام ولىّ ذميًا شيئًا من تلك الولايات.
3- ولاة الوظائف العامة فيها ولاية وسلطة وصلاحيات كثيرة تخوِّل صاحبها العمل والحزم والحل والعقد والكافر لا سلطان له على المسلمين كما قال جل ثناؤه {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا}.
4- ثم إنها وظائف غير مناسبة للكافر لأنها تتطلب أمرًا مهمًا هو الإيمان بأهمية هذه الوظائف وأنها أمانة عظيمة ومسؤولية شرعية وهذا لا يوجد إلا في المسلم لأن الدولة كلها تقوم على العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي فهي دولة عقدية فكرية ذات أصول ثابتة وليست دولة دنيوية صرفه، ومن غير المعقول أن تسند الأعمال المهمة في هذه الدولة إلى من لا يؤمن بأصولها وأسسها.
5- فإن هذه الوظائف لها أهمية بالغة لما تنطوي عليه من الأسرار التي لا يتسع لها قلب الكافر بل لا ينبغي أن يطلع عليها.
6- معلوم أن الكفار أعداء للمسلمين عداوة ظاهرة وأنهم يتمنون أن تكون لهم سلطة على المسلمين فينتقموا منهم بشتى أنواع الانتقام ويفرحون بكل ما يصيب المسلمين من ضرر وأذى منهم أو من غيرهم ويعتقدون أنه لا حرج عليهم في الاستيلاء على أموال المسلمين ومقدراتهم. قال تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.
قال في المذمة: وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن أهل الكتاب أنهم يعتقدون أنهم ليس عليهم إثم ولا خطيئة في خيانة المسلمين وأخذ أموالهم فقال تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}. وهذه صفة قبط مصر فإنهم الذين زعموا أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل وأن لهم أخذ أموالهم وأنفسهم مجانًا في مقابلة ما أخذوا من أموال النصارى وأنفسهم في الزمان الغابر اهـ.

.الحالة الثانية: استعانة المسلمين بالكفار في الخدمة:

أما استعانة المسلمين بالكفار في الخدمة كالدلالة على الطريق واستئجارهم في الخدمة العامة البعيدة عن الحرب والقتال فهذا لا بأس به لأنه لا يخرجهم عن الذلة والصغار.
قال الإمام أبو محمد بن حزم بعد أن ذكر منع الاستعانة بالكفار حربيين كانوا أم ذميين قال: وهذا عموم مانع من أن يستعان بهم في ولاية أو قتال أو شيء من الأشياء إلا ما صح الإجماع على جواز الاستعانة بهم فيه كخدمة الهداية أو الاستئجار أو قضاء الحاجة وغيره مما لا يخرجون فيه عن الصغار .
ونقل ابن عبد البر في التمهيد عن الإمام مالك قوله: ولا أرى أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إلا أن يكونوا خدمًا أو نواتيه.اهـ.

.الحالة الثالثة: استعانة الدولة المسلمة بأموال الدولة الكافرة:

أما استعانة الدولة المسلمة بأموال الدولة الكافرة فلا يخلوا إما أن يكون على وجه القرض أو الهبة، فإن كان على سبيل القرض فعمومات النصوص من الكتاب والسنة على تحريم الاستعانة بالكفار تدل على منع الاستقراض منهم لأن العلة التي من أجلها نهى الشارع عن الاستعانة بالكفار موجودة في الاستقراض منهم، ولأن الاستقراض من الكفار يترتب عليه أمور منها:
1- أن فيه ذل وصغار على الدولة لأنه من سؤال الند لنده.
2- أن الدولة الكافرة لن تقرض الدولة المسلمة تعاطفًا معها أو رحمة بها أو إكرامًا لها بل لما ترجوه من الحصول على الفوائد والأرباح فهي إما أن تأخذ فائدة معينة على القرض وهو صريح الربا، وأما أن تشترط على الدولة شروطًا تستفيد منها وتكون مرهقة للدولة المسلمة بل خزيًا وعارًا عليها.
3- أن الدولة الكافرة ولا سيما المحاربة ربما اتخذت من القروض أسلوبًا لاستعمار المسلمين وأرضهم فإنها تفتح صدرها للدولة المسلمة للاقتراض منها كما تشاء فتتراكم الديون حتى تعجز الدولة المسلمة عن وفائها فيكون ذلك سلمًا للاستعمار الحقيقي أو المعنوي وهذه علامة الانتكاس والإفلاس للدولة المسلمة وفي العصر الحديث أثبتت ذلك دول الكفر عمليًا.
4- أن في الاستقراض من الكفار ركونًا إليهم وموالاة لهم وخضوعًا لسلطانهم.
الحالة الثانية: الاستعانة بأموال الدولة الكافرة عن طريق الاستيهاب فهذا آكد منعًا وأغلظ تحريمًا لما يترتب عليه من ذل وهوان وصغار وركون إلى الكفار وموالاتهم ولأن في الاستيهاب مسألة والمسألة نهى الشارع عنها بين المسلمين أنفسهم لا سيما إذا كان السؤال للكفار، وقد ورد ذم المسألة في نصوص كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»، وقال تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، وقال {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، ولأن سؤال الكفار يكشف ضعف المسلمين وفقرهم وفاقتهم وحاجتهم إلى الدولة الكافرة الأمر الذي يفرحهم ويسرهم بل ويجرئهم على العدوان ونقض العهود كما قال تعالى {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط}.

.حكم الاستعانة بالكفار في الأمور المعنوية:

لقد بينا فيما سبق أن الاستعانة بهم لا تجوز مطلقًا سواء أكانت الاستعانة بهم في الحرب والقتال أم في الإدارة والكتابة وسائر الأعمال وبرهنّا على ذلك بنصوص من كتاب الله وسنة نبيه وذكرنا أقوال علماء الأمة في ذلك وفي هذا الفصل نبين حكم الاستعانة بهم من حيث المعنى مثل وقوفهم إلى جانب قضايانا وتصويتهم معنا في المحافل الدولية لأن ذلك لا يعدو الأقوال دون الفعال فهم وإن وقفوا مع المسلمين وأيدوا قضاياهم بالقول فلن يفعلوا شيئًا يكون فيه نصرة للمسلمين أو نفعٌ لهم لأنهم أعداء للإسلام والمسلمين ويفرحون بكل ما من شأنه أن يضر بقضايا المسلمين وكل عداوة قد يرجى زوالها إلا العداوة في الدين كما قال الشاعر:
كل العدوات قد ترجى مودتها ** إلا عداوة من عاداك في الدين

والواقع شاهد على ما نقول فقد أبيد المسلمون في البوسنة والهرسك من قبل النصارى ودامت الحرب سنوات والأمم الكافرة تشجب وتستنكر في هيئة الأمم وفي غيرها من المحافل الدولية وتهدد لكن لم يحصل فعل وكذلك في إقليم كوسوفا فمنذ أكثر من سنة والصرب يبيدون المسلمين ويجلونهم من ديارهم ويحرقونها والغرب يشجب ويستنكر ويتوعد بضربات عسكرية ضد صربيا لكنه لم يفعل شيئًا.
قال الدكتور عبد الله بن إبراهيم الطريقي: إن عصرًا مثل عصرنا الذي قويت فيه شوكة الباطل ودالت له الدولة وضعفت فيه الأمة الإسلامية وتفرقت دويلاتها مزقًا وضاعت فيه حقوقها واغتصبت أراضيها وانتهكت حرماتها في كثير من بلدانها إن عصرًا كهذا قد يدعو المسلمين إلى عملِ ما يملكونه وما يستطيعونه لتوجيه أنظار العالم إلى قضاياهم الضائعة وحقوقهم المغتصبة وإقناعه بأهميتها ومن ثم طلب ضم الصوت لصالحهم بالتنديد بأعمال العدو المغتصب وضرورة إعادة الحقوق إلى أصحابها. ويمكن أن نضرب لذلك مثلًا بقضية المسلمين في (فلسطين) التي اغتصبها اليهود وأقاموا فيها دولتهم على مرأى ومسمع من العالم فهل مثل هذا العمل مشروع؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي إثارة سؤالين هما:
الأول: هل من فائدة في استجداء الكفار واستعطافهم واسترحامهم؟
الثاني: ما واجب المسلمين حينما يحصل الاعتداء من الكفار على ديارهم ومقدساتهم؟
ونجيب عن السؤال الأول فنقول: لعل مما لا ينكر شرعًا أو واقعًا أن استجداء الكفار واستعطافهم ما هو إلا ذل وصغار للمسلمين ولا يزيدهم إلا وهنًا ولا يزيد الكافرين إلا عزة واستكبارًا وأنفه، وصدق الله جل ثناؤه إذ يقول: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا}، وإذ يقول: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط}، ففي الآية الأولى ينكر الله على من يطلب العزة من الكفار ولا شك أن طلب ضم الصوت منهم يعتبر طلبًا للعزة وفي الثانية يخبر الله تعالى عن الكفار أنهم يساءون حينما يصيب المسلمين خير ويفرحون إذا أصيبوا بشر فطلب التصويت منهم إذن لا جدوى فيه.
والجواب على السؤال الآخر: إن واجب المسلمين عند وقوع الاعتداء من الكفار أن يردوا الاعتداء بمثله ويدافعوا عن حقوقهم بلا خلاف وإن كان الأمر كذلك فإن استجداء الكفار بأن يصوتوا في صالح القضايا الإسلامية أمر عديم الفائدة ولا طائل تحته بل هو استجداء للمشركين وخضوع لهم ولعل واقع المسلمين المعاصر يصور لنا ذلك في أوضح الصور فالقضية الفلسطينية مثلًا ماذا استفادت من استجداء العرب لدول الكفر واستعطافهم لهم فكم من البيانات المشتركة والقرارات بين دول العالم الإسلامي وبين بعض دول الكفر التي صدرت تستنكر وتندد بشدة (ظاهريًّا) بأعمال اليهود فإنها مهما قيل وادعى من حصول المكاسب من ورائها فهو هراء.
لهذا نقول إن طلب التصويت أمر غير مشروع لما عرفناه وواجب المسلمين تجاه حقوقهم المغتصبة والمنتهكة أن يوحدوا صفوفهم ويعيدوها بالجهاد ولا شيء غير ذلك.